الثلاثاء، 15 أكتوبر 2013

"عندما لا يكون للإنسانية معناً"

"عندما لا يكون للإنسانية معناً"

كم هو محزن أن تري أناس يعيشوا في الحياة بدون إنسانيتهم!
عندما تنسيك الحاجة، حاجتك الي كونك إنسان..
تخيل معي أنك تخليت عن إنسانيتك وتركتها تذهب مع الريح، فالحاجة تخرج اسوأ ما فيك، وتقتل بداخلك شعورك بكونك إنسان في المقام الأول.. وقبل كل شيء!
سأصحبك معي يا سيدي في جولة إلى "أرض بور" (وسميت بذلك، نظراً لكونها عاجزه عن أن تنبت "أناس") وهي ليست بعيدة عنا مسافة كبيرة، بمقياس المسافات المعتادة، والمتفق عليها عالمياً، ولكنها أبعد كثيراً عن عالم الإنسانية.

 ففي هذه الأرض سيدي تري هنا وهناك أناس يتحركون دون أن يشعروا أنهم ينتموا إلى عالم "الإنسانية" فقد فقدوا معناها منذ زمن.. حتى صارت تصرفاتهم تدلك على ذلك بوضوح. فهم يحيطون بك من كل جانب، لمجرد أنك هبطت إليهم ومعك كيساً به "أضحية العيد" التي تم شراؤها بما تأت جمعه من هنا وهناك من تبرعات، وما أن رأوا ما بداخل الكيس الذي كان للصدفة شفافاً. ليشف معه ما أل اليه حال هؤلاء.. الذين بدورهم هرعوا إليك. والكل منهم يبرع في استعطاف مشاعرك بكل الحيل الممكنة لدية، والغير ممكنة ايضاً إذا تطلب الأمر ذلك.
 وتجد في عينهم إصرار يخبرك انه لا مفر ستعطيني مما أتيت به. لأنه حق لي وساخده! وتجد نفسك أمام كل هذا، وقد عز عليك كإنسان أن ترد إنسان مثلك ولم تعطية مما أراد.. حتى وإن كانت ليست حاجته لتلك التي معك بتلك الشدة.. ولسان حالك يقول من أنا كي يتوسل إلى إنسان مثلي. وتذهب أسفاً على الإنسانية جمعاً!
 اراك تنظر إلي سيدي بنظرة عتاب، وتقول لي أوليس "الجوع كافر" كما يقولون.. لماذا اذن تتذمري وتستنكري على هؤلاء ما يفعلون إذن؟!
لا. والله سيدي أنا لا ألومهم، أو أنظر إليهم نظرة شفقة.. فليس هم من بحاجة للشفقة أكثر من المجتمع نفسه الذي دفعهم إلى ذلك دفعاً ليس بسبب الفقر وقلة الموارد، ولكنها نظرته الحقيرة التي رمقهم بها.. وعاملهم بها.. فما عادوا يشعروا بإنسانيتهم بعد.. وكأن تلك النظرة التي رمقهم بها اصابتهم في مشاعرهم.. وبالتحديد إنسانيتهم وقتلتها.. فأصبحوا كأي كائن حي ينتظر من سيده ان يلقي له بشيء ما..
 ها أنا أري في عينك مرة أخرى سيدي.. نظرة عتاب تكاد تقترب من الغضب.. تخبرني فيها "صه. كيف تجرؤ على تشبيه ما كرم الله بالكائن غير العاقل؟!
وأعاود اجابتي عليك سيدي ..أنا لست ضدهم ..بل أنا معهم ..ولعلي لا أعلم ..ماذا كنت سأفعل إذا كنت في أمكنتهم ..لربما فعلت أكثر من ذلك ..وإن كان لدي حجه هنا ..الا وهي هؤلاء الذين لا يجدون حتي ما يتقوتوا به ..ولكنهم كما قال عنهم الله (سبحانه وتعالي)  "يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ"((273) البقرة)..هؤلاء يا سيدي الذين يشعروا بإنسانيتهم ويتنفسونها ..ولن يسمحوا لأي مخلوق كان، أو تحت أي مسمي أن يسلبهم إيها !
أفهمت الآن سيدي مقصدي.. فلا لوم على هؤلاء فهم لا حول لهم ولا قوة.. فمن يقع عليه اللوم حقاً هو هذا المجتمع.. الذي أساء تربيتهم (وأعتذر سيدي عن استخدام هذا المصطلح، ولكني لم أجد غيره مناسباً للتعبير لتقريب ما أرنو إليه، أوليس المجتمع بمثابة مربي لأبنائه؟).. فإنه سيدي قد أخطأ في سبلة التي أستخدمها معهم. فهو كالأب الذي صباحاً مساء.. ينظر لأبنه باحتقار كل يوم.. وينعته دائماً كلما تسني له ذلك "بالعالة" ملبياً له ببعض رغباته من بين الحين والأخر.. حتى عندما شاب ذلك الأبن واشتد عودة.. أصبح لا يستحي من أن يمد يده لهذا وذاك كي يلقوا له ببعض مما أنعم الله عليهم.. ولا يري أي عيب في ذلك، بل يفعل ذلك أمام مرأي ومسمع من الجميع وفي وضح النهار! ولكنه معه كل العذر.. فلم يخبره أحد بمعني كونه إنسان، وحتى إذا أخبروه. فلن يفهم معناها!
فالقضية هنا ليست سيدي الحاجة أو الفقر.. بل إنها أكبر وأعمق من ذلك والنتيجة هي أن كل يوم بعد يوم يزداد عدد هؤلاء هنا وهناك وفي كل مكان.. وحتى أنهم في يوم من الأيام.. سيصبحون مرضاً مزمناً لهذا المجتمع.. ولن يجدي نفعاً معهم تلك المسكنات التي يلقي بها في جوفهم كلما هموا بفتحه..

قول لي بالله عليك من الذي يستحق الشفقة الآن؟!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تدوينات مميزة