"ولكم في الكتابة حياة"
_بين الواقع، والخيال_
ولكم في
الكتابة حياة.. هكذا هي الكتابة واقع من خيال، وخيال من واقع.. فهي الشيء الوحيد
الذي يصل بين الواقع والخيال..
كم من المرات
وصلت فيها ما انقطع وكم من فراق جعلته تلك الأوراق لقاء، وكم من النهايات انهيت
بها قصص تعيسة هي في الواقع فأشفق عليها قلبي من أن تكون تعيسة واقعاً وخيالاً!
فكانت أروع ما يمكن أن يحدث على ساحات الورق البيضاء والذي عجزت ساحات الواقع السوداء أن
ترسمه بهذه الروعة.
أحياناً أتخيل
ماذا لو كنت أمية، لا أعرف لا قراءة ولا كتابة. تري كيف سيكون شكل الحياة بالنسبة لي!
فمن كان
سيشاركني أفراحي، ولمن كنت سأشكو أتراحي في أيام الوحدة الطوال؟
كيف كانت
ستمضي تلك الأيام التي لم تشرق فيها الشمس على نافذتي؟
لو لم تكن الكتابة..
ففيما كنت سأجد ذاتي وأين كانت ستكمن موهبتي؟
كيف كنت
سأحتفظ بتلك المواقف التي شكلت حياتي وكان لها أكبر الأثر في نفسي.. والتي احتاج إلى
الاطلاع عليها ما بين الحين والأخر، والعيش في الأمها كي أتعلم منها ولا أقع في
تلك الأخطاء مرة ثانية وتلك اللحظات الجميلة التي تحلي أيامي عندما تهب رياح الحزن
علي فأعيش في ذكرها.. كتاباتي وبخاصة مذكراتي هي تاريخي الذي فيه انتصاراتي
وانكساراتي في معركة الحياة.. فلو لم تكن الكتابة في حياتي.. كيف كنت سأحتفظ بكل ذلك
في ذاكرتي الضعيفة؟!
لو لم تكن
الكتابة والقراءة.. كيف كنت سأحكي لأطفالي حكايات وكيف كانوا سيعرفون عن حياتي
وكيف كنت أواجه المصاعب عندما تقف في طريقي وكيف كانت أيام حياتي بأفراحها وأتراحها؟
أليس شيء
رائع أن تورث أطفالك مذكراتك.. لكي يعيشوا معك في حياتك التي كانت، ويعرفوا تاريخك..
بالطبع مذكراتك لن تكون شيء ذات اهمية بالنسبة لأي شخص، إنما بالنسبة لأطفالك أظن
أن الوضع سيكون مختلف تماماً.. أحياناً كنت أتمنى أن أعرف تفاصيل حياة أمي، وكيف
كان شكل حياتها.. ولكم تمنيت أن يكون لأبي مكتبة حتى أرثها لذا عمدت أن أكون مكتبة
لأطفالي من الآن.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا.. هل سيتقبلونها.. بمعني هل في
ظل ما نعيشه من تكنولوجيا، وكل يوم أشياء تظهر وأخري تنتهي ولأبد.. سيعرفون معني
الكتب من الأصل؟ مثلاً كما نفعل نحن عندما يحدثنا أجدادنا عن الفلس والقرش الذي
كان يستطيع أن يشتري فيل، ويبقي لك باقي (كمان)!
ومن الأشياء
الظريفة التي اتذكرها عن تلك المذكرات لتي أظن أن أطفالي سيواجهون بلا أدني شك
مشاكل كبيرة في فك شفراتها فلقد وهبني الله (سبحانه وتعالي) خطا أحسد عليه بحق، لدرجة
إني في كثير من الأحايين أكتب شيء ما ثم أعود لقراءته، فأعجز عن قراءة ما كتبته بيدي
فألعن ذلك التعليم المجاني! ولكن ليست هذه الطرفة، انما الظريف الذي أذكره إني في
مرة حلمت، أن منزلنا (والعياذ بالله) ينهار، ووسط الهرج والمرج الذي كان خلفيه
الحلم، أصابني الرعب وهرعت إلى المكان الذي أضع به تلك المذكرات وأخذتها هي فقط، وكأنها
الكنوز الثمينة أو هي المنجية، وهرولت مع المهرولين.
لذا على أن
أحمد الله كثيراً على هذه النعمة العظيمة التي يجهل الكثيرون عظمتها، سواء كانت
القراءة، أو الكتابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق